زيزو عضو نشيط
عدد الرسائل : 65 تاريخ التسجيل : 25/04/2008
| موضوع: فقة الحج والعمره السبت 26 أبريل 2008 - 19:25 | |
| السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ...
أقدم لكم بحث عن فقة الحج والعمره .... جميل جدا بسم الله الرحمن الرحيم
سلطنة عمان وزارة التربية والتعليم المديرية العامة للتربية والتعليم بمسندم مدرسة أبو بكر الصديق للتعليم الأساسي (ح2)
فقة الحج والعمره
المقدمة..
الحج والعمرة في الإسلام معنى الحج والعمرة
للحج معنى في اللغة ومعنى في اصطلاح الشرع .
أما معنى الحج في اللغة فهو : القصد إلى معظم .
وأما معناه شرعا فهو : قصد البيت الحرام لأداء أفعال مخصوصة من الطوات والسعي والوقوف بعرفة وغيرها من الأعمال .
والحج من الشرائع القديمة ، فقد ورد أن آدم عليه السلام حج وهنأته الملائكة بحجه .
وكلمة الحج تأتي في اللغة بكسر الحاء وبفتحها ، وقد قرئت في القرآن بهما .
وأما العمرة فمعناها في اللغة : الزيارة .
ومعناها في الشرع : زيارة الكعبة على وجه مخصوص مع الطواف والسعي والحلق أو التقصير
فضائل الحج والعمرة منذ أن أمر الله تعالى خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يؤذن في الناس بالحج والقلوب تهفو إلى هذا البيت وذاك المكان، والوفود تتقاطر وتتوارد عليه من كل فج عميق، تلبية لنداء الله سبحانه؛ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: " لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس، قال يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعليَّ البلاغ، فنادى إبراهيم : " يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحجوا، فسمعه ما بين السماء والأرض، أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون " . وفريضة الحج أوجبها الله تعالى على عباده مرةً في العمر على المستطيع، قال عز وجل: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (آل عمران:97) ووجوب الحج مما عُلِم من دين الإسلام بالضرورة . وقد رتب الشارع على أداء هذه العبادة الثواب والأجر العظيم؛ ما يثير همة المسلم، ويشحذ عزمه، ويجعله يُقْبِل عليها بصدر منشرح وعزيمة وثَّابة ، وهو يرجو ثواب الله ومغفرته وما أعده لحجاج بيته الكريم، فجاءت النصوص المتكاثرة في فضائل الحج والعمرة، والتي منها: الحج يهدم ما قبله الحج من أعظم أسباب تكفير الخطايا والسيئات، فإذا حج العبد الحج المبرور فإنه يرجع من حجه كيوم ولدته أمه طاهرًا من الذنوب والخطايا؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) رواه البخاري ، وظاهر الحديث غفران صغير الذنوب وكبيرها، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله . إلا أن ذلك الغفران مشروط - كما نص الحديث - بعدم الرفث والفسقِ؛ والرَّفَثُ هو الجماع ومقدماته، والفسق السيئة والمعصية . وجاء في الصحيح أن عمرو بن العاص رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل في الإسلام، وأراد أن يشترط على النبي صلى الله عليه وسلم أن يُغْفَر له ما قد سلف من ذنوبه، التي اقترفها حال الشرك، فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمور، كلها تكفِّر ما قبلها من الذنوب والخطايا، يقول عمرو بن العاص : ( لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أبسط يدك فلأبايعك، فبسط فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو ؟ قلت: أشترط، قال: تشترط ماذا ؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ) رواه مسلم ، فجعل الحج من العبادات التي تكفر ما تقدمها من الذنوب. الحج المبرور جزاؤه الجنة وعد الله تعالى عباده بأن يثيبهم على طاعته، وجعل جزاء الحج الجنة، ولم يجعل له جزاء دونها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) متفق عليه، ولكن ذلك الجزاء مشروط بأن يكون الحج مبرورًا، فليس كل حج جزاءه الجنة، بل ذلك محصور بالحج المبرور؛ والحج المبرور هو الحج الموافق للشرع عملاً واعتقاداً، الذي لم يخالطه شيء من الشرك والإثم والرفث والفسوق . ومن علامات الحج المبرور أن يكون حال المسلم بعد الحج خيرًا من حاله قبله، وشاهدُ هذا في قوله تعالى: { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } (محمد:17) قال الحسن البصري رحمه الله: " الحج المبرور أن يرجع زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة " وعلى الجملة فإن الحج المبرور كما قال القرطبي : " هو الحج الذي وُفِّيت أحكامه، ووقع موقعًا لما طُلِب من المكلف على الوجه الأكمل " . الحج من أفضل أعمال البر الأعمال الصالحة كثيرة ومتنوعة ، وهي أيضاً ليست على مرتبة ودرجة واحدة في الفضل والأجر؛ ولأن العمر قصير ، والأعمال قد تتزاحم على العبد فلا يدري أيها يقدم، فكان لا بد أن يعنى العبد بفقه مراتب الأعمال ، فيتقرب إلى الله بأحب الأعمال إليه، ويقدمها على غيرها مما هو أقل منها درجة وفضلاً، وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأعمال في حديث أبي هريرة في "الصحيحين" عندما سئل: ( أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا ؟ قال: حج مبرور ) يقول أحد السلف موضحًا سبب تفضيل الحج وجعله في هذه المرتبة: " نظرت في أعمال البر، فإذا الصلاة تجهد البدن دون المال، والصيام كذلك، والحج يجهدهما فرأيته أفضل " فالحج إذا عبادة مالية وبدنية .
الحج جهاد الجهاد أنواع ومراتب، فمنه الجهاد بالمال وبالنفس، ومنه الجهاد باللسان والكلمة، ومنه جهاد النفس في طاعة الله؛ وفي الحج يتجلى هذا النوع بوضوح ففيه مشقة البدن، وفيه أيضًا بذل المال في سبيل الله . وشرع الله الحج جهادًا لكل ضعيف، لا يستطع القتال في سبيل الله؛ ففي الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت: ( يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال: لكِنَّ أفضل الجهاد حج مبرور ) رواه البخاري ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتنقلون بين أنواع الجهاد؛ فكان عمر رضي الله عنه يقول: " إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين " وكان ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: " إنما هو سرج ورحل ، فالسرج في سبيل الله والرحل في الحج "، كل هذا وغيره يرشدك إلى مكانة هذه الفريضة في شريعة الإسلام، وأهميتها في حياة المسلم. الحج من أسباب الغنى ومضاعفه النفقة قد يتوهم الإنسان بأنه إذا انفق ماله في الحج والعمرة، فقد يؤدي ذلك إلى نقص ماله، وتعرضه للحاجة والفاقة؛ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيل هذا الوهم والخوف، فبيَّن أن إنفاق المال في الحج والعمرة والمتابعة بينهما جلب للرزق، ونفي للفقر عن العبد بإذن الله؛ وقد صح في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ) رواه أحمد وغيره، والكير هو الآلة التي ينفخ فيها الحداد في النار ليخرج الشوائب والأوساخ التي تعلق بالحديد . وكما وعد الله عز وجل بالإخلاف على العبد في الدنيا ما ينفقه في الحج والبسط له في الرزق، وعده كذلك بمضاعفة تلك النفقة عنده سبحانه، كما تضاعف النفقة في سبيل الله، فعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ) رواه أحمد بإسناد حسن . الحاج في ضمان الله وحفظه لما كان الحج مِظِنة لبعض الأخطار والمخاوف التي قد تقعد بالعبد وتجعله يحجم عن أداء هذه الفريضة، ضمن الله عز وجل لمن خرج حاجًا لبيته، وقاصدًا تلبية ندائه، الحفظ والرعاية، في الحياة وبعد الممات؛ ففي الدنيا إن عاد إلى أهله رجع بالأجر والثواب، وفي الأخرى بُعث على الحالة التي مات عليها، ومن كان الله معه فأي شيء عليه؛ وقد صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيا في سبيل الله تعالى، ورجل خرج حاجًا ) رواه أبو نعيم وصححه الألباني . وثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته راحلته - أي ضربته فمات -: ( اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه بثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا ) متفق عليه. الحجاج والعمار وفد الرحمن صح في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني ؛ وأي مكرمة تعدل أن يكون العبد في ضيافة الرحمن جل وعلا، وأي إكرام يعدل إجابة الخالق لدعاء عبده..
حكم الحج وشروط وجوبه
فريضة الحج من أفضل العبادات وأجل القربات ، شرعها سبحانه إتمامًا لدينه ، وشرع معها العمرة، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم إلى جانب فريضة الحج، في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله } (البقرة:196) . وهناك أحكام مهمة تتعلق بهذين النسكين ينبغي عليك - أخي الحاج - أن تعرفها لتكون على بيِّنة من أمرك ، ولتعبد الله على هدىً وبصيرة ، فإن الله سبحانه كما أمر عباده بأن يخلصوا له العبادة ، فقد أمرهم كذلك أن يعبدوه وَفْق ما شرع . وإليك أخي الحاج بياناً مجملاً لأهم أحكام الحج والعمرة حتى تكون عوناً لك - بإذن الله - على أداء هذا الركن العظيم أداءً صحيحاً . حكم الحج والعمرة دل الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة فأما الكتاب فقوله سبحانه {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } (آل عمران:97) . وأما السنة فقد ثبت ذلك في أحاديث كثيرة منها حديث ابن عمر رضي الله عنه : ( بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) متفق عليه. ونقل الإجماع على الوجوب ابن المنذر و ابن قدامة وغيرهم . وأما العمرة فقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكمها، فمن قائل بأنها واجبة على من يجب عليه الحج لعدد من الأدلة منها حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " قلت يا رسول الله: على النساء جهاد؟ قال: ( نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة ) رواه أحمد . ومن قائل بأنها ليست واجبة لقوله عليه الصلاة والسلام وقد سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: ( لا ، وأن تعتمروا فهو أفضل ) رواه الترمذي وغيره وقد تنازعوا في صحته .
كما وقع الخلاف أيضاً بينهم في وجوب الحج على المستطيع فوراً أم على التراخي، والأكثر على أنه يجب على الفور فلا يجوز للعبد تأخيره إذا كان مستطيعًا لأمر الله تعالى به في قوله : {وأتموا الحج والعمرة لله } (البقرة 196) ، وقوله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } ( آل عمران 97) ، والأصل في الأوامر أن يلتزم بها المكلف فوراً .
شروط وجوب الحج لا يكون الحج واجبًا على المكلف إلا إذا توافرت فيه شروط معينه ، وتُسمى هذه الشروط "شروط الوجوب" فإذا توفرت هذه الشروط كان الحج واجبًا على المكلف، وإلا فلا يجب عليه، وهذه الشروط هي : الإسلام فغير المسلم لا يجب عليه الحج، ولو أتى به لم يصح منه لقوله تعالى : {وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا الله وبرسوله } (التوبة 54) ، فالإسلام شرط لصحة كل عبادة ، وشرط لوجوبها . التكليف وهو أن يكون المسلم بالغًا عاقلاً، فالصغير لا يجب عليه الحج لأنه غير مكلف ، لكن لو حج صح منه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمرأة التي رفعت إليه صبيًا ، وقالت: ألهذا حج ؟، قال : ( نعم، ولكِ أجر ) رواه مسلم ، لكن لا يجزئه ذلك عن حجة الإسلام ، فيلزمه أن يحج مرة أخرى بعد بلوغه ؛ أما المجنون فلا يجب عليه الحج ولا يصح منه ، لأن الحج لا بد فيه من نية وقصد ، ولا يمكن وجود ذلك من المجنون . الحرية فلا يجب الحج على العبد المملوك لأنه غير مستطيع ، لكن لو حج صح منه ، ويلزمه أن يحج حجة الإسلام بعد حريته . الاستطاعة والاستطاعة تكون في المال والبدن ، بأن يكونَ عنده مال يتمكن به من الحج ، ويكون أيضاً صحيح البدن غير عاجز عن أداء المناسك ، فإن كان المكلف غير قادرٍ لا ببدنه ولا بماله ففي هذه الحال لا يجب الحج عليه ، لعدم تحقق شرط الاستطاعة . وإن كان قادرًا بماله غير قادر ببدنه فيلزمه أن ينيب من يحج عنه لحديث الخثعمية التي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ ، قال : (نعم) رواه البخاري . ولا يلزم المكلف الاستدانة لأجل الحج ، كما لا يلزمه الحج ببذل غيره له ولا يصير مستطيعاً بذلك . والقدرة المالية المعتبرة لوجوب الحج، هي ما يكفيه في ذهابه ، وإقامته ، ورجوعه ، وأن يكون ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه لقضاء ديونه ، والنفقات الواجبة عليه ، وفاضلاً عن الحوائج الأصلية التي يحتاجها من مطعم ومشرب وملبس ومسكن وما إليه ، فمن كان في ذمته دين حالٌّ لشخص ، فلا يلزمه الحج إلا بعد وفاء ما في ذمته . وإن احتاج للنكاح وخاف على نفسه المشقة أو الوقوع في الحرام ، فله أن يقدم الزواج على الحج ، وإن لم يخف على نفسه قدَّم الحج . وجود المحرم للمرأة ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة محرم يسافر معها ، فمن لم تجد المحرم فالحج غير واجب عليها، وذلك لمنع الشرع لها من السفر من غير محرم ففي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم- : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم ) متفق عليه ، والمحرم زوج المرأة ، وكل ذكر تحرم عليه تحريماً مؤبداً بقرابة أو رضاع أو مصاهرة . هذا ما يتعلق بحكم الحج والعمرة ، وشروط وجوبهما ، وهناك أحكام تتعلق بمسائل الحج الأخرى ، يمكن الرجوع إليها في ثنايا المحور .
المواقيت الزمانية والمكانية فريضة الحج من أركان الإسلام الأساسية، خصها سبحانه بزمان معين ومكان محدد، فجعل زمانها أشهر الحج، قال تعالى: { الحج أشهر معلومات } ( البقرة:197) وجعل مكانها مكة المكرمة البلد الحرام، قال تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس } (المائدة:97) وأقام مواقيت مكانية ليحرم عندها من قصد البيت حاجًا أو معتمرًا . وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الأماكن بشكل مفصل ومحدد، فجعل لكل جهة من الجهات ميقاتًا للإحرام. فجعل لأهل المدينة المنورة - وهي جهة شمال البيت الحرام - ميقات ذي الحليفة، والحليفة تصغير الحلفاء، وهو نبات معروف، وسمي المكان بذي الحليفة لكثرة ذلك النبات فيه؛ وهو أبعد المواقيت عن مكة، إذ يبعد عنها أربعمائة كيلو مترٍ تقريبًا؛ ويعرف اليوم بأبيار علي. أما ميقات أهل المغرب ومصر و السودان وعموم أفريقيا فهو "الجحفة" وهي قرية قديمة اجتحفها السيل وجرفها فزالت، وحل بها الوباء الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقله من المدينة إلى الجحفة في قوله: ( اللهم انقل حماها - أي حمى المدينة - إلى الجحفة ) رواه البخاري . لأنها كانت بلاد كفر، ولما خربت الجحفة وصارت مكانًا غير مناسب للحجاج، اتخذ الناس بدلها ميقات رابغ، ومنه يُحرم الحجيج اليوم، وهو أقرب إلى مكة بقليل، ويبعد عنها مسافة ثلاثة وثمانين ومائة كيلو متر تقريبًا . وأما ميقات أهل الجنوب ومن كان قادمًا من جهتهم فهو " يلملم " و يلملم اسم لتلك المنطقة، والمكان معروف ويسمى اليوم بـ" السعدية " ويبعد عن مكة مسافة مائة وعشرين كيلو متر تقريبًا . وأما ميقات أهل المشرق فهو " ذات عرق" وهو لأهل العراق وإيران ومن كان في جهتهم، وسمي بـ "ذات عرق" لأنه يقع على مقربة من جبل صغير بطول اثنين كيلو متر، ويبعد عن مكة شرقًا مسافة قدرها مائة كيلو متر تقريبًا، وهي اليوم مهجورة، لعدم وجود طرق إليها؛ وبجوارها ( العقيق ) وهو واد عظيم، يبعد عن ذات عرق عشرين كيلو مترًا، وعن مكة عشرين ومائة كيلو متر، منه يحرم الناس اليوم، ويسمى ( الخربيات ) . وجعل النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجد ميقاتاً خاصاً وهو " قرن المنازل " ويبعد عن مكة خمسة وسبعين كيلو مترًا، ويعرف اليوم بـ" السيل " وهو قريب من الطائف . ومن كان موطنه دون هذه المواقيت، فإحرامه من مكانه الذي هو فيه لقول ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة ) متفق عليه. وقول عائشة رضي الله عنها: "إن النبي صلى الله عليه وسلم ( وقت لأهل العراق ذات عرق ) رواه أبو داود و النسائي . وهذه المواقيت مجموعة في قول الناظم: عــرق العراق يلمـلم اليمن وبذي الحليفة يحرم المدني والشام جحفة إن مررت بها ولأهل نجد قــــرن فـاستبن
بقي أن تعلم - أخي الحاج - أنه لا يجوز للحاج أو المعتمر تجاوز هذه المواقيت إلا بعد الدخول في نية الإحرام وارتداء لباس الإحرام، إن كان مريدًا للنسك، وتفصيل هذا تقف عليه في ثنايا المحور، والله الموفق .
يتبع ....
| |
|
زيزو عضو نشيط
عدد الرسائل : 65 تاريخ التسجيل : 25/04/2008
| موضوع: رد: فقة الحج والعمره السبت 26 أبريل 2008 - 19:29 | |
| أركان الحج وواجباته وسننه تنقسم أعمال الحج إلى أركان يجب الإتيان بها جميعاً ، ولا يصح الحج بترك شيء منها ، ولا يقوم غيرها مقامها ، وإلى واجبات يصح الحج بترك شيء منها ويجبر المتروك بدم ، وإلى سنن ومستحبات يكمل بها أجر الحاج وثوابه عند الله . أركان الحج للحج أركان أربعة عند جمهور أهل العلم وهي : 1- الإحرام وهو نية الدخول في النسك لقول الرسول- صلى الله عليه وسلَّم- : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ) ، وله زمان محدد وهي أشهر الحج التي ورد ذكرها في قوله تعالى { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (سورة البقرة الآية 197) ، ومكان محدد وهي المواقيت التي يحرم الحاج منها . 2- الوقوف بعرفة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : ( الحج عرفة ، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك ) رواه أبوداود وغيره ، ويبتدئ وقته من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة ويمتد إلى طلوع فجر يوم النحر ، وقيل يبتدىء من طلوع فجر اليوم التاسع . فمن حصل له في هذا الوقت وقوف بعرفة ولو لحظة واحدة فقد أدرك الوقوف، لحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المزدلفة حين خرج إلى الصلاة ، فقلت : يا رسول الله إني جئت من جبلي طيء ، أكللت راحلتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه ، وقضى تفثه ) رواه أبو داود وغيره . وفي أي مكان وقف من عرفة أجزأه لقول النبي - صلى الله عليه وسلّم- : ( وقفت ههنا وعرفة كلها موقف ) أخرجه مسلم . 3- طواف الإفاضة لقوله سبحانه : {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } (سورة الحج الآية 29) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال - حين أُخبِرَ بأن صفية رضي الله عنها حاضت - ( أحابستنا هي ؟، فقالوا : يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة ، قال : فلتنفر إذاً ) متفق عليه ، مما يدل على أن هذا الطواف لا بد منه ، وأنه حابس لمن لم يأت به ، ووقته بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة ولا آخر لوقته عند الجمهور بل يبقى عليه ما دام حياً ، وإنما وقع الخلاف في وجوب الدم على من أخره عن أيام التشريق أو شهر ذي الحجة . 4- السعي بين الصفا والمروة لقوله- صلى الله عليه وسلم- : ( اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ) رواه أحمد ولقول عائشة رضي الله عنها : " طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وطاف المسلمون- تعني بين الصفا والمروة - فكانت سنة ، فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة "رواه مسلم . وهذا السعي هو سعي الحج ، ووقته بالنسبة للمتمتع بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة وطواف الإفاضة ، وأما القارن والمفرد فلهما السعي بعد طواف القدوم . فهذه الأركان الأربعة : الإحرام ، والوقوف بعرفة ، وطواف الإفاضة ، والسعي بين الصفا والمروة لا يصح الحج بدونها ، ولا يجبر ترك شيء منها بدم ولا بغيره ، بل لا بد من فعله ، كما أن الترتيب في فعل هذه الأركان شرط لا بد منه لصحتها ؛ فيُشترط تقديم الإحرام عليها جميعاً ، وتقديم وقوف عرفة على طواف الإفاضة ، إضافة إلى الإتيان بالسعي بعد طواف صحيح عند جمهور أهل العلم .
واجبات الحج وأما واجبات الحج التي يصح بدونها فهي : 1- يكون الإحرام من الميقات المعتبر شرعاً لقوله - صلى الله عليه وسلم- حين وقت المواقيت : ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة ) رواه البخاري . 2- الوقوف بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهاراً لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقف إلى الغروب وقال : ( لتأخذوا عني مناسككم ) . 3- المبيت بمزدلفة ليلة النحر واجب عند أكثر أهل العلم لأنه - صلى الله عليه وسلم- بات بها وقال : ( لتأخذ أمتي نسكها فإني لا أدري لعلي لا ألقاهم بعد عامي هذا ) رواه ابن ماجة وغيره ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم- أذن للضعفة بعد منتصف الليل فدل ذلك على وجوب المبيت بمزدلفة ، وقد أمر الله بذكره عند المشعر الحرام . ويجوز الدفع إلى منى في آخر الليل للضعفة من النساء والصبيان ممن يشق عليهم زحام الناس ، وذلك ليرموا الجمرة قبل وصول الناس ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : " كنت فيمن قدم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى " متفق عليه ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم أفاضت " رواه أبو داود . 4- المبيت بمنى ليالي أيام التشريق لأنه - صلى الله عليه وسلم- بات بها وقال: ( لتأخذوا عني مناسككم ) ، ولأنه أذن لعمه العباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، ورخص أيضاً لرعاة الإبل في ترك المبيت مما دل على وجوب المبيت لغير عذر . 5- رمي الجمار: جمرة العقبة يوم العيد ، والجمرات الثلاث أيام التشريق، لأن هذا هو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- ، ولأن الله تعالى قال : {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى } (سورة البقرة الآية 203) ، ورمي الجمار من ذكر الله ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنما جُعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة ، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله )رواه أبوداود وغيره 6- الحلق والتقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم- أمر به فقال : ( وليقصر وليحلل ) متفق عليه ، ودعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة . 7- طواف الوداع لأمره - صلى الله عليه وسلم- بذلك في قوله : ( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) رواه مسلم ، وقول ابن عباس : " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض " . وهذه الواجبات يصح الحج بترك شيء منها ويجبر المتروك بدم (شاة أو سُبْع بدنة أو سبع بقرة ) تُذبح في مكة وتوزع على فقراء الحرم لقول ابن عباس رضي الله عنهما : " من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دماً " . سنن الحج وما عدا هذه الأركان والواجبات من أعمال الحج فسنن ومستحبات ، كالمبيت بمنى في اليوم الثامن ، وطواف القدوم ، والرمل في الثلاثة الأشواط الأولى ، والاضطباع فيه ، والاغتسال للإحرام ، ولبس إزار ورداء أبيضين نظيفين ، والتلبية من حين الإحرام بالحج إلى أن يرمي جمرة العقبة ، واستلام الحجر وتقبيله ، والإتيان بالأذكار والأدعية المأثورة ، وغير ذلك من السنن التي يستحب للحاج أن يفعلها ، وأن لا يفرط فيها اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم – وإن كان لا يلزمه شيء بتركها .
محظورات الإحرام إذا أحرم العبد بالحج أو العمرة ودخل في النسك، فإن هناك أموراً تحرم عليه ما دام محرماً، وهذه هي الأمور هي التي يطلق عليها أهل العلم محظورات الإحرام ، وهي على ثلاثة أقسام : قسم يشترك فيه الرجل والمرأة ، وقسم محرم على الرجال فقط ، وقسم محرم على الإناث فقط. فأما ما يشترك فيه الرجل والمرأة فهو: 1- إزالة شعر الرأس بحلق أو غيره لقوله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } (البقرة 196)، وألحق به جمهور أهل العلم شعر سائر البدن، وعليه فيحرم على الحاج أن يتعمد أخذ شيءٍ من شعره حال إحرامه، وتلزمه الفدية إن فعل ذلك، وأما لو سقط الشعر بغير اختياره فلا حرج عليه، ويجوز له إزالة شعره إن كان يتأذى ببقائه مع وجوب الفدية، لقوله جل وعلا: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } (سورة البقرة الآية 196)، وتفصيل ذلك سيأتي في الكلام عن أحكام الفدية. 2- تقليم الأظافر قياساً على حلق الشعر قال ابن قدامة رحمه الله : " أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره" ، ولا فرق في ذلك بين أظافر اليدين أو الرجلين ، لكن لو انكسر ظفره وتأذى به ، فلا حرج أن يقص القدر المؤذي منه ، ولا فدية عليه . 3- استعمال الطيب في الثوب أو البدن لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلّم- قال في المُحْرِم : ( لا يلبس ثوباً مسه ورسٌ ولا زعفران )، وقال في الذي وقصته راحلته فمات وهو محرم : ( لا تُمِسوه طيباً ولا تخمروا رأسه ) رواه البخاري . والمقصود به ابتداء استعمال الطيب بعد الإحرام ، وأما الطيب الذي تطيب به على بدنه قبل إحرامه وبقي أثره عليه فلا يضره بقاؤه لقول عائشة رضي الله عنها : ( كنت أنظرُ إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - وهو مُحرم ) متفق عليه. 4- عقد النكاح لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يَنْكِحُ المحرم ولا يُنْكَح ولا يخطب ) رواه مسلم ، فلا يجوز للمُحرِم أن يتزوج ولا أن يعقدَ النكاح لغيره ، ولا أن يخطب حتى يحل من إحرامه. 5- المباشرة لشهوة بتقبيل أو لمس أو نحوه لقوله جل وعلا :{ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } ( البقرة 197)، ويدخل في الرفث مقدمات الجماع من ضم وتقبيل ولمس وما أشبه ذلك ، وعليه فلا يحل للمحرم أن يقبل زوجته أو يمسها لشهوة ، كما لا يحل لها أن تمكنه من ذلك حال إحرامها. 6- الجماع لقوله تعالى :{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (البقرة الآية 197) ، والرفث هو : الجماع ومقدماته ، وهو أعظم المحظورات وأشدها تأثيراً على الإحرام ، لأنه المحظور الوحيد الذي يفسد الحج به، وأما ما يترتب عليه فهو مفصل في أحكام الفدية . 7- قتل صيد البر المأكول لقوله تعالى: {وُحُرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حُرُماً } (سورة المائدة الآية 96). فلا يجوز للمحرم اصطياد شيء من حيوانات البر المأكولة كالغزال والأرنب ونحوهما، ولا قتلُه ولا الإعانة على ذلك بدلالة أو إشارة أو مناولة أو نحو ذلك . كما يحرم عليه أن يأكل من الصيد إذا صاده غير المحرم لأجله ، وأما إذا لم يصده لأجله فلا حرج عليه في الأكل منه . وأما المحظورات التي يختص بها الرجال دون النساء فهي : 1- لبس المخيط، لحديث لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سُئل : ما يلبس المُحرِم من الثياب ؟ قال : ( لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف ولا ثوباً مسه زعفران ولا ورس ) متفق عليه ، والمقصود بالمخيط: ما يلبس ويفصَّل على هيئة الأعضاء ، سواء كان شاملاً للجسم كله كالبرنس والقميص ، أو لجزء منه كالسراويل والخفاف والجوارب ، ولا يقصد به ما فيه خيط، ويجوز للمحرم شد وسطه بحبل وحزام ونحوه ، كما أن له أن يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين. 2- تغطية الرأس بملاصق لقول النبي - صلى الله عليه وسلّم- في الذي وقصته راحلته بعرفة : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تُخَمِّروا رأسَه - أي لا تُغطوه- ) متفق عليه . فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه بما يلاصقه كالطاقية ، والغترة ، والعِمامة ونحو ذلك ، أما إذا كان الغطاء غير ملاصق للرأس - كالشمسية مثلاً ، أو الاستظلال بشجرة ، أو خيمة أو سقف السيارة - فلا حرج فيه لقول أم الحصين رضي الله عنها : حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة " رواه مسلم . كما لا يجوز للمحرم أن يغطي وجهه لقوله عليه الصلاة والسلام في الذي قتلته ناقته في الحج – كما في بعض الألفاظ- : ( ولا تغطوا وجهه )رواه مسلم وغيره . أما المرأة فلها أن تغطي رأسها ، ولها أن تلبس في الإحرام ما شاءت من الثياب من غير تبرج ولا زينة ، ولكنها لا تنتقب ولا تلبس القفازين - وهما شراب اليدين- ، ولها أن تُغطي وجهها إذا مر الرجال قريباً منها ، فتسدل الخمار على وجهها . وجميع المحظورات السابقة لا يجوز فعلها عمداً من غير عذر ، ومن ارتكب شيئاً منها عامداً من غير عذر فعليه الفدية مع الإثم ، وأما من احتاج لفعل شيء منها لعذر يبيحُ له ذلك ، فعليه ما يترتب على فعل المحظور من غير إثم ، ومن فعل شيئاً منها ناسياً أو جاهلاً أو مُكرَهاً فلا شيء عليه على الصحيح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجه ، لكن متى زال العذر فَعَلِم الجاهل ، وذكر الناسي ، واستيقظ النائم ، وزال الإكراه وجب عليه التخلي عن المحظور فوراً ، فإن استمر عليه مع زوال العذر كان آثماً ، وعليه ما يترتب على فعل المحظور من الفدية وغيرها ، كمن غطى رأسه وهو نائم فلا شيء عليه ما دام نائماً ، فإذا استيقظ لزمه أن يكشف رأسه فوراً ، فإن استمر في تغطيته مع علمه بوجوب كشفه كان آثماً ، وعليه ما يترتب على ذلك ، وسيأتي تفصيل أحكام الفدية في موضوع مستقل .
يتبع...
| |
|
زيزو عضو نشيط
عدد الرسائل : 65 تاريخ التسجيل : 25/04/2008
| موضوع: رد: فقة الحج والعمره السبت 26 أبريل 2008 - 19:32 | |
| كيف يكون حجك مبروراً ورد في الحج الكثير من الأحاديث الدالة على عظيم فضله، وجزيل أجره وثوابه عند الله عز وجل ، وجاء في بعض الأحاديث وصف الحج التام بالحج المبرور ، فقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري : ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ). ومن أجل ذلك فإنك بحاجة - أخي الحاج - إلى أن تتعرف على علامات الحج المبرور ، وما هي الأمور التي يتحقق بها بر الحج حتى تقوم بها ؟ وما هي الأمور التي تنافي ذلك حتى تجتنبها ؟ فالناس يتفاوتون في حجهم تفاوتاً عظيماً على حسب قربهم وبعدهم من هذه الصفات والعلامات. وقد ذكر أهل العلم أقوالاً في معنى الحج المبرور وكلها متقاربة المعنى، وترجع إلى معنى واحد وهو: " أنه الحج الذي وفيت أحكامه، ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل ". وأول الأمور التي يكون بها الحج مبروراً ، ميزان الأعمال وأساس قبولها عند الله وهو إخلاص العمل لله والمتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغِيَ به وجْهُه ، فعليك - أخي الحاج- أن تفتش في نفسك، وأن تتفقد نيتك، ولتحذر كل الحذر من أي نية فاسدة تضاد الإخلاص، وتحبط العمل، وتذهب الأجر والثواب، كالرياء والسمعة وحب المدح والثناء والمكانة عند الخلق ، فقد حج نبينا عليه الصلاة والسلام على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم ثم قال : ( اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ) كما عند ابن ماجة . ثم احرص على أن تكون أعمال حجك موافقة لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - ، ولن يتحقق لك ذلك إلا بأن تتعلم مناسك الحج وواجباته وسننه ، وصفة حجه عليه الصلاة والسلام ، فهو القائل كما في حديث جابر رضي الله عنه: ( لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه )رواه مسلم . ومن الأمور التي تعين العبد على أن يكون حجه مبروراً الإعداد وتهيئة النفس قبل الحج ، وذلك بالتوبة النصوح ، واختيار النفقة الحلال والرفقة الصالحة ، وأن يتحلل من حقوق العباد ، إلى غير ذلك مما هو مذكور في آداب الحج. ومن علامات الحج المبرور طيب المعشر ، وحسن الخلق ، وبذل المعروف ، والإحسان إلى الناس بشتى وجوه الإحسان ، من كلمة طيبة ، أو إنفاق للمال ، أو تعليم لجاهل ، أو إرشاد لضال ، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : " إن البر شيء هين ، وجه طليق وكلام لين " . ومن أجمع خصال البر التي يحتاج إليها الحاج -كما يقول ابن رجب - ما وصَّى به النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا جُرَيٍّ الهجيمي حين قال له : ( لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تعطي صلة الحبل ، ولو أن تعطي شسع النعل ، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق ، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه ، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض )رواه أحمد . واعلم أن مما يتحقق به بر الحج الاستكثار من أنواع الطاعات، والبعد عن المعاصي والمخالفات، فقد حث الله عباده على التزود من الصالحات وقت أداء النسك فقال سبحانه في آيات الحج :{وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى }( البقرة: 197 )، ونهاهم عن الرفث والفسوق والجدال في الحج فقال عز وجل: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } ( البقرة197 )، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) متفق عليه، والرفث هو الجماع وما دونه من فاحش القول وبذيئه، وأما الفسوق فقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وغير واحد من السلف أنه المعاصي بجميع أنواعها، والجدال هو المِراء بغير حق ، فينبغي عليك - أخي الحاج - إذا أردت أن يكون حجك مبروراً أن تلزم طاعة ربك ، وذلك بالمحافظة على الفرائض ، وشغل الوقت بكل ما يقربك من الله جل وعلا من ذكر ودعاء وقراءة قرآن وغير ذلك من أبواب الخير ، وأن تحفظ حدود الله ومحارمه ، فتصون سمعك وبصرك ولسانك عما لا يحل لك . ومن الأمور التي تعين العبد على أن يكون حجه مبروراً ، أن يستشعر حِكم الحج وأسراره ، وفرقٌ كبير بين من يحج وهو يستحضر أنه يؤدي شعيرة من شعائر الله ، وأن هذه المواقف قد وقفها قبله الأنبياء والعلماء والصالحون ، فيذكر بحجه يوم يجتمع العباد للعرض على الله ، وبين من يحج على سبيل العادة ، أو للسياحة والنزهة ، أو لمجرد أن يسقط الفرض عنه ، أو ليقال " الحاج فلان " . وأخيراً فإن من علامات الحج المبرور أن يستقيم المسلم بعد حجه فليزم طاعة ربه ، ويكون بعد الحج أحسن حالاً منه قبله ، فإن ذلك من علامات قبول الطاعة ، قال بعض السلف : " علامة بر الحج أن يزداد بعده خيراً ، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه " ، وقال الحسن البصري رحمه الله : " الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا ، راغباً في الآخرة" .
آداب الحج هناك جملة من الوصايا والآداب ينبغي لمن عزم على الحج أن يراعيها وأن يحرص عليها، حتى يؤدي نسكه على الوجه المشروع، ويكون حجه مبروراً متقبلاً ، وأول هذه الآداب والوصايا أن يقصد الحاج بحجه وجه الله عز وجل والدار الآخرة ، فيخلص النية لله ، ولا يقصد بحجه الرياء أو السمعة، فإن الإخلاص هو أساس الأعمال ، وعليه مدار القبول، قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }( البينة: 5 ) ، وفي الحديث المتفق عليه : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ). ثم على المسلم إذا أراد الحج أن يستخير الله عز وجل ، وهذه الاستخارة لا ترجع إلى نفس الحج فإن الحج خير كله، وإنما ترجع إلى الوقت والرفقة وحال الشخص وغير ذلك من الأمور التي تدخلها الاستخارة ، فيصلي ركعتين من غير الفريضة ثم يدعو دعاء الاستخارة المعروف ، ويستشير كذلك من يثق بدينه وعلمه وخبرته . وعلى الحاج أن يصلح ما بينه وبين الله عز وجل بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي ، وأن يصلح ما بينه وبين الخلق بالتحلل من حقوق العباد ورد المظالم والودائع وقضاء الديون أو الاستئذان من أصحابها . ومن الآداب أيضاً أن يكتب العبد وصيته قبل سفره، فإن السفر مظنة تعرض الإنسان للأخطار والمشاق، فيبين فيها ما له وما عليه، ويوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل . وعليه أن يختار لحجه النفقة الطيبة والمال الحلال، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، لذا كان من موانع إجابة الدعاء أكل الحرام. كما عليه أن يتفقه في أحكام السفر والحج والعمرة ، وأن يسأل عما أشكل عليه من ذلك، فيعرف شروط الحج وواجباته وأركانه وسننه، حتى يعبد الله على بصيرة ولا يقع فيما يفسد عليه حجه أو ينقص أجره، ويستعين في ذلك بأن يأخذ ما يحتاجه من الكتب والأشرطة التي تبين أحكام الحج، وأن يصاحب أهل العلم والخبرة بالمناسك وأوقاتها وأماكنها. و ينبغي على الحاج أن يختار الرفقة الصالحة التي تعينه إذا ضعف، وتذكره إذا غفل، وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وأن يحذر من مصاحبة البطالين الذين لا يراعون حرمات الله، ولا يعظمون شعائر الله، فيضيعون عليه أشرف الأوقات فيما لا ينفع ولا يفيد . كما ينبغي عليه أن يحرص على الالتزام بآداب السفر وأدعيته، فيدعو دعاء السفر، ويكبر كلما صعد مرتَفَعاً ، ويسبح كلما هبط وادياًَ ، ويدعو بدعاء نزول منازل الطريق ، وغير ذلك من الأدعية والآداب المذكورة في كتب أهل العلم ، وإذا كانوا جماعة فعليهم أن يؤمروا أميراً ويطيعوه في غير معصية الله . ومن الآداب التي يجب على الحاج مراعاتها حفظ اللسان عما حرم الله من غيبة ونميمة وسب وشتم وجدال بالباطل ، وكذلك غض البصر عن محارم الله ، فليتق الحاج ربه وليعظم حرمات الله ، ولا يرجع من حجه بالذنوب والأوزار كما قال القائل واصفا من هذا حاله : يحج لكي ما يغفر الله ذنبه فيرجعُ قد حُطَّت عليه ذنوبُ وعلى المرأة المسلمة أن تحرص على الستر والعفاف، وأن تحذر من التبرج والسفور ومخالطة الرجال ومزاحمتهم، كما عليها أن تتفقه في أحكام الحج المختصة بالنساء، وأن تسأل عما يشكل عليها في ذلك . وينبغي على الحاج -كذلك - أن يكون رحيماً رفيقاً بإخوانه من الحجاج ، وذلك بالحرص على راحتهم ، وإرشاد ضالهم ، وتعليم جاهلهم ، والابتعاد عن كل ما فيه أذيتهم، والصبر على ما يصدر من بعضهم، إلى غير ذلك مما هو من محاسن الأخلاق وكريم الطباع . كما أن عليه أن يحرص على أداء الصلوات المكتوبة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، وأن يحذر من تأخيرها عن وقتها . واعلم أخي الحاج أن مما يعينك على التزام هذه الآداب أن تستشعر عظمة الزمان والمكان، فإن ذلك أدعى إلى أن تؤدي المناسك بخضوع وإجلال لله جل وعلا، قال سبحانه: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب }( الحج :32 )، ولتتذكر أيضاً أنها أيام قليلة معدودة ، سرعان ما تنقضي وتذهب ، فاحرص على اغتنام الأوقات واللحظات فيما يقربك من ربك جل وعلا ، نسأل الله أن يوفقنا لأداء الحج على الوجه الذي يرضيه عنا وأن يجعلنا من المقبولين الفائزين .
وقفات مع حج النبي صلى الله عليه وسلم أمر الله عباده باتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم- في غير ما آية من كتابه فقال سبحانه : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ( الحشر 7 ) ، وجعل اتباع نبيه هو دليل المحبة الأول وشاهدها الأمثل ، فقال سبحانه : {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }( آل عمران 31 ) ، والحج من أوضح العبادات التي يتجلى فيها اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم- والتأسي به ، ولذلك كان لزاماً على كل حاج يريد صحة حجه، وقبول نسكه ، أن يتعرف على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج ، هذا الهدي الذي لا يقتصر فقط على أحكام النسك ، بل يتجاوزه إلى التأسي به في أحواله مع الله ومع الخلق . وسنقف وقفات يسيرة أمام بعض الأمور التي تجلت في حجه - صلى الله عليه وسلم - ، حتى يترسم الحاج خطاها ، ويحرص على الاقتداء بنبيه - صلى الله عليه وسلم - فيها ، قاصدين من ذلك التنبيه والإشارة ، لا الحصر والاستقصاء . فقد تجلى في حجه - صلى الله عليه وسلم - الاعتناء بأمر التوحيد ، وإخلاص العمل لله ، حيث سأل ربه عز وجل أن يجنبه الرياء والسمعة ، قائلاً : ( اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ) رواه ابن ماجة ، وحرص على بيان التوحيد وإظهاره في جميع مناسك الحج وشعائره بدءاً من التلبية إلى ركعتي الطواف والصفاء والمروة ، ويوم عرفة ، وغير ذلك . وكان - صلى الله عليه وسلم - في حجته حاضر القلب ، خاشع الجوارح ، كثير التضرع والمناجاة ، حريصاً على السكينة والوقار ، يقول جابر رضي الله عنه : " أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه السكينة " ، وفي يوم عرفة سمع وراءه زجراً شديداً ، وضرباً وصوتاً للإبل ، فأشار بسوطه إلى الناس قائلاً : ( أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع ) يعني الإسراع ، رواه البخاري . وفي الحج تجلى بوضوح تعلقه - صلى الله عليه وسلم - بالدار الآخرة ، وزهده في عاجل الحياة الدنيا ، فقد حج على رحل رثٍّ ، وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم ، كما عند ابن ماجة ، وقال وهو واقف بعرفة : ( لبيك اللهم لبيك ، إنما الخير خير الآخرة ) رواه الحاكم و البيهقي ، قال ابن القيم رحمه الله : " وكان حجه على رحل ، لا في محمل ولا هودج ، ولا عمارية " ، وهي أدوات تكون فوق الدابة تسهل على المرء ركوبها ، وكانت راحلته هي زاملته التي يحمل عليها متاعه وزاده ، فلم تكن له ناقة أخرى خاصة بذلك ، ولم يتميز - صلى الله عليه وسلم - في الموسم عن الناس بشيء ، حتى إنه لما جاء إلى السقاية فاستسقى قالوا له : نأتيك به من البيت فقال : ( لا حاجة لي فيه ، اسقوني مما يشرب منه الناس ) رواه أحمد . وفي الحج حرص - صلى الله عليه وسلم - على تعليم الناس أمر دينهم ، وإقامة الحجة والبيان عليهم ، ولم يدع فرصة سانحة لتعليم الناس والقيام بواجب البلاغ إلا انتهزها ، فبين لهم أحكام المناسك ، وأركان الإسلام وقواعده ، ونهاهم عن الشرك ، وانتهاك الحُرمات العظيمة التي جاءت الشرائع بالمحافظة عليها ، من الدماء والأموال والأعراض ، وذلك في مواطن عديدة من حجه . وفي حجه عليه الصلاة والسلام ظهر تواضعه للناس ، فقد أردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما من عرفة إلى مزدلفة وهو من الموالي ، ووقف لامرأة من آحاد الناس يستمع إليها ويجيب عن سؤالها ، ولم يتخذ حُجَّاباً يصرفون الناس عنه ، ويمنعونهم من مقابلته ، وكان في إمكان أي أحد الوصول إليه وقضاء حاجته بيسر وسهوله . ومن المظاهر التي تجلت في حجته - صلى الله عليه وسلم - رحمته بالناس وشفقته عليهم، ومن ذلك إلزامه من لم يسق الهدي من أصحابه - رضي الله عنهم - بأن يحل إحلالاً كاملاً، وذلك رحمة بهم وتيسيراً عليهم ، ومن ذلك جمعه لصلاتي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، حتى لا يشق على الناس ، وإذنه للضعفاء في الإفاضة من مزدلفة قبل الناس حين يغيب القمر ، تخفيفاً عليهم ووقاية لهم من الزحام ، ومن ذلك أيضاً رفعه الحرج عن الناس في التقديم والتأخير في أعمال يوم النحر ، إلى غير ذلك من مظاهر رحمته - صلى الله عليه وسلم - بأمته . ومن المظاهر جوده وكرمه وإحسانه إلى الناس ، فقد قرب - صلى الله عليه وسلم - مائة بدنة ، وأمر علياً رضي الله عنه أن يقسمها كلها لحومها وجلودها وجلالها في المساكين . ماذا بعد الحج شرع الله العبادات والطاعات لحكم عظيمة وغايات جليلة فهي تقُوِّي الإيمان ، وتُزكِّي النفوس ، وتقوم السلوك ، وتهذب الأخلاق ، وما لم تكن هذه العبادات طريقاً لتحقيق هذه الغايات ، فلن يفيد منها المسلم الإفادة المرجوة ، بل ربما تحولت العبادة إلى رسوم ومظاهر يؤديها الإنسان ، دون أن يكون لها أثر على واقعه وسلوكه . وعبادة الحج لا تخرج عن هذا الإطار، فإذا قام بها المؤمن خير قيام، وأدرك مقاصدها، واستشعر معانيها كان لها أعظم الأثر في حياته وبعد مماته. وإذا كان الأمر كذلك، فإن عليك - أخي الحاج - وقد أكرمك الله بزيارة بيته ، ووفقك لأداء فريضته ، أن تقف مع نفسك وقفات ، تتأمل حالك ، وتراجع قلبك ، وتصحح سيرك . وأول شيء يجب أن تدركه عظم نعمة الله عليك، بأن وفقك لأداء هذه الفريضة العظيمة مما يستوجب شكر الله جل وعلا على هذه النعمة، كيف لا وقد حُرِمَها غيرُك وهو يهفو إليها . ومِنْ شُكْرها أن تحفظها من الضياع، وأن تلازم طاعة ربك وتستقيم على دينه وشرعه. ثم اعلم أن من أهم القضايا التي ينبغي أن تحرص عليها بعد حجك قضية الثبات ، والمحافظة على هذا العمل من المحبطات والآفات ، وأن تسأل الله في كل حال أن يحفظ عليك دينك ، وأن يوفقك لطاعته ، ويجنبك معصيته ، لتكون مع { الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } ( النساء:69 ). وقد ضرب الله عز وجل الأمثال للناس على هذه القضية، محذراً عباده من أن يبطلوا أعمالهم ، ويمحقوا طاعتهم ، فلا يجدونها في وقت هم أشد ما يكونون حاجة إليها وذلك في قوله جل وعلا : { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } ( البقرة 266 ) ، وهو مثل ضربه الله جل وعلا لمن حسن عملُه ، ثم انقلب على عقبه بعد ذلك ، وبدل الحسنات بالسيئات عياذاً بالله من ذلك ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية : " ضُربت لرجل غني يعمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " رواه البخاري . ثم تذكَّر – أخي الحاج - أن للحج المبرور علامات ، ومن أظهر هذه العلامات دوام الاستقامة على طاعة الله بعد أداء النسك ، وأن يكون حالك مع الله بعده أفضل مما كنت عليه قبلُ ، وقد قيل للحسن البصري : الحج المبرور جزاؤه الجنة ، قال : " آية ذلك أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة . وظني بك - أخي الحاج- وقد أنهيت حجك أنك قد أدركت أن من أهم حِكَمِ الحج ومقاصده تربية المسلم على عبودية الله وحده ، والتزام أوامره واجتناب نواهيه ، واتباع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم- ، وهذه الأمور لا تتحدد بموسم أو شهر أو عام بل يستصحبها المسلم طيلة عمره ومدة حياته ، ما دام فيه قلب ينبض ونفس يتردد {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }( الحجر 99) . وليكن حالك بعد العمل كحال الذي وصفهم الله جل وعلا بقوله : { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } ( المؤمنون 60 ) ، فهم وإن كانوا يتقربون إلى الله بصنوف العبادات وألوان القربات ، إلا أنهم مع ذلك خائفون وجِلُون أن تُرَدَّ عليهم أعمالهم ، كان علي رضي الله عنه يقول : " كونوا لِقَبول العمل أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين } ( المائدة 27 ). ومن أجل ذلك أَمَرَ الله حجَّاج بيته بأن يستغفروه عَقِبَ إفاضتهم من عرفة ومزدلفة ، بعد أن وقفوا في أجلِّ المواقف وأعظمها فقال : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } ( البقرة 199 ) . وأخيراً - أخي الحاج- : يا من وقفت بِعرفات ، وسكبت العبرات ، وأظهرت الندم على ما فات ، يا من أعتقه مولاه من النار ، إياك أن تعود إلى ربقة الأوزار بعد أن تاب الله عليك منها ، إياك أن تقترب من النار بعد أن أعتقك الله منها . اعقد النية وجدد العزم واحرص على أن يكون حجك نقطة تحول في حياتك ، وحاسب نفسك ، وانظر ما هي آثار الحج على قلبك وسلوكك وأقوالك وأفعالك ، داوم على العمل الصالح ولو كان قليلا ، فإن القليلَ الدائم خيرٌ من الكثير المنقطع ، واعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ ، وافتح صفحة جديدة من حياتك مع مولاك . نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجعل حجك مبروراً ، وذنبك مغفوراً ، وسعيك مشكوراً ، وأن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال ، ويرزقنا الثبات والاستقامة حتى الممات . يتبع...
| |
|
زيزو عضو نشيط
عدد الرسائل : 65 تاريخ التسجيل : 25/04/2008
| |
عاصم عضو نشيط
عدد الرسائل : 65 العمر : 29 تاريخ التسجيل : 27/04/2008
| موضوع: رد: فقة الحج والعمره الإثنين 12 مايو 2008 - 3:09 | |
| مشكور على الموضوع القيم سلمت يداك | |
|