من مخلفات جحا الرقمية...
دخل جحا على امرأته...فوجدها ترتق أسمالا بالية...
وقف عند رأسها سائلا: ماذا تفعلين يا امرأة؟
قالت إني أرتق بعض أفكارك البالية...فأخلاقك لم تعد كما كانت في السابق...لقد أصبحت تجلس كثيرا أمام ذلك الحاسوب...قد يأخذك مني و يضيف عقلك إلى عقله و تتركني بلا عقل كالمجنونة أبحث عنك بين صفحات الويب أو الويل أو ماذا يسمون ذلك...؟
فلقد اشتكت لي جارتي من أن جارتها قد رأت أم الجيران تتخاصم مع زوجها لأنها وجدته يتحدث مع إحداهن عبر ذلك الصندوق...
قل يا جحا: هل لديه لسان و أذنين و كذلك عينين يا جحا؟
فتعالت ضحكات جحا حتى تساقطت بعض أسنانه المصطنعة...و أخذته شهقة من السعال كادت تقضي عليه لولا لطف من الله عز و جل...فزوجته عادة ما تضع بجانبها قنينة الماء...لأن جحا ينشف ريق فمها من كثرة الأسئلة...فناولته شربة ماء أعادت فيه الروح...
فقال لها يا امرأة: هل تغارين؟
قالت : كيف لا...
فسألها: هل نشطت قشرتك الدماغية مع تلك الأسمال البالية؟...فكثيرا ما يمدك القديم بالشيء الجديد... فهل من جديد؟
قالت و هي تضع يدها على خدها و كأنها تفكر:ما يبهرني في ذلك الصندوق هو كونه يشبه «صندوق العجائب...فأين يخبأ تلك الكميات الهائلة من المعلومات و الصور و الأخبار و المكتبات و كل ما يخطر لك على البال؟
فأجابها: و أين تضعين ذكرياتك و أفكارك يا امرأة؟ من المفروض أن تكون في جهة من جهات رأسك كما قال أحدهم...لكنها بالمقارنة مع ما يحمل لا تشكل إلا الجزء اليسير من الذاكرة الفردية للإنسان و قد يصلوا ليضعوا تاريخ العالم في ذاكرته...
فكيف يعقل ذلك يا جحا؟
أجيبني يا امرأة: أين تضعين حسناتك و سيئاتك و كل أعمالك صغيرها و كبيرها حلوها و مرها الجميل منها و القبيح كذلك لعشرات السنين؟
قالت : هي في كتاب مرقوم يحمله كل فرد في عنقه يطوق به في يوم من الأيام...حقيقة فنحن لا نراه و لكن نعتقد بوجوده...كما أننا لا نرى الذرة لكننا نعتقد في وجودها...مع فارق...هو أن الذرة نراها بأجهزة حديثة...و ذاك الكتاب لا نراه في الدنيا لأنه مخلوق أصلا للآخرة و ليس للدنيا... و مع ذلك قد يقرأ الإنسان منه شيئا في الدنيا قبل الآخرة...و تلك هي عملية التذكر و ما تختزنه الذاكرة من ذكريات...لكن و هذا من باب التأكيد كل منا سيقرأ كتابه و يفتحه في الآخرة يتذكر ما قد نسي...فتجد فيه كل شيء من الصغيرة إلى الكبيرة...
و لكن يا جحا لم تجبني عن السؤال بعد، فذاكرة الإنسان مهما كبرت فلم تكن مثل ذاكرة الحاسوب؟
تأملي جيدا في التلسكوب...ذاك المنظار الذي ترى به النجوم و الكواكب الأخرى البعيدة جدا...أليس ذاك بعين اصطناعية؟
فكذلك ذاكرة الحاسوب فهي امتداد لذاكرة الإنسان بآلاف من المرات؟
ولكن يا جحا يظل سؤال يحيرني...
ما هو: يا امرأة؟ و كفانا من الأسئلة الفضفاضة...
تقول امرأة جحا إذا كانت الذاكرة واحدة، و ما هي إلا امتداد بشكل من الأشكال للخلايا الدماغية؟ هل يكون السليكون الموجود في التراب و الذي منه يتم صنع الأقراص المدمجة أو المضغوطة و هو الحاضن للمعلومات و الحافظ عليها في ذاكرة الحاسوب هو من نفس طينة السليكون الموجود في الخلايا الجسمية المكونة لجسد الإنسان على أساس الحديث الصحيح ' كلكم من آدم و آدم من تراب '...و التراب يحتوي السيلكون بالإضافة للمواد الأخرى...فالسؤال المنطقي الذي تطرحه امرأة جحا باعتبارها تحمل الجنين تسعة أشهر في رحمها...هل تتشكل الذاكرة من السيلكون و أشياء أخرى من نفس طينة السيلكون المستخلص من التراب ؟
صمت طويلا جحا و هو يقلب السؤال يمنة و يسرة ثم قال لها سنرى فيما بعد ما يقوله العلم و ما يقول الدين في هذا السؤال باعتبارهما لا يتناقضان في الجواب و قد يختلفان في المنهج و طريق استدلال كل واحد منهما...
...