الزكاة لغة هي
البركة والطهارة والنماء والصلاح. وسميت الزكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه, وتقيه الآفات, كما قال ابن تيمية: نفس المتصدق تزكو, وماله يزكو, يَطْهُر ويزيد في المعنى.
والزكاة شرعا هي حصة مقدرة من المال فرضها الله عز وجل للمستحقين الذين سماهم في كتابه الكريم, أو هي مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة, ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى. والزكاة الشرعية قد تسمى في لغة القرآن والسنة صدقة كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم) (التوبة 103) وفي الحديث الصحيح قال صلى اللّه عليه وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: (أعْلِمْهُم أن اللّه افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.) أخرجه الجماعة.
حكم الزكاةهي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة, وعمود من أعمدة الدين التي لا يقوم إلا بها, يُقاتَلُ مانعها, ويكفر جاحدها, فرضت في العام الثاني من الهجرة, ولقد وردت في كتاب الله عز وجل في مواطن مختلفة منها قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) (البقرة 43) وقوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) (المعارج 24/25).
حكمة مشروعيتها
أنها تُصلح أحوال المجتمع ماديًا ومعنويًا فيصبح جسدًا واحدًا, وتطهر النفوس من الشح والبخل, وهي صمام أمان في النظام الاقتصادي الإسلامي ومدعاة لاستقراره واستمراره, وهي عبادة مالية, وهي أيضا سبب لنيل رحمة الله تعالى, قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة) (الأعراف 165), وشرط لاستحقاق نصره سبحانه, قال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز, الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) (الحج 40, 41), وشرط لأخوة الدين, قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة 11), وهي صفة من صفات المجتمع المؤمن, قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة 71), وهي من صفات عُمّار بيوت الله, قال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) (التوبة 18), وصفة من صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس, قال تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون) (المؤمنون 4).
مكانة الزكاة
وبينت السنة مكانة الزكاة فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأنّ محمدًا رسول الله, ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.) أخرجه البخاري ومسلم, وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والنصح لكل مسلم.) أخرجه البخاري ومسلم, وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا رسول الله , وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا, وصوم رمضان.) أخرجه البخاري ومسلم.
حكم منع الزكاة والترهيب من منعهامن أنكر وجوب الزكاة خرج عن الإسلام ويستتاب, فإن لم يتب قتل كفرا, إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام, فإنه يعذر لجهله بأحكامه ويبين له حكم الزكاة حتى يلتزمه, أما من امتنع عن أدائها مع اعتقاده وجوبها فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الإسلام, وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره ولو امتنع قوم عن أدائها مع اعتقادهم وجوبها وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتى يعطوها .
ودليل ذلك ما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أبو بكر, وكفر من كفر من العرب, فقال عمر: (كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى؟ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, فإن الزكاة حق المال, والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار, فأُحْميَ عليها في نار جهنم, فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره, كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد, فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّلَ له يوم القيامة شُجاعا أَقْرع حتى يُطَوّقَ به عنقه.) ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) (آل عمران 180), حديث صحيح, رواه النسائي وابن خزيمة وابن ماجة واللفظ له.
وعن علي رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا وموكلَه, وشاهدَه, وكاتبَه, والواشمةَ, والمستوشمةَ, ومانع الصدقة, والمُحَلِّلَ, والمُحَلَّلَ له.) حديث حسن رواه أحمد والنسائي.
شروط وجوب الزكاة
فرضت الزكاة في المال ووضعت لها شروط بتوافرها يكون المال محلا لوجوب الزكاة, وهذه الشروط شرعت للتيسير على صاحب المال, فيخرج المزكي زكاة ماله طيبة بها نفسه, فتتحقق الأهداف السامية التي ترمي إليها فريضة الزكاة, وهذه الشروط هي:
الملك التام
النماء حقيقة أو تقديرا
بلوغ النصاب
الزيادة عن الحاجات الأصلية
حولان الحول
منع الثِّنَى في الزكاة
الملك التام
هو قدرة المالك على التصرف بما يملك تصرفا تاما دون استحقاق للغير, لأن الزكاة فيها معنى التمليك والإعطاء لمستحقيها فلا يتحقق ذلك إلا من المالك القادر على التصرف, فلا زكاة في مال الضمار وهو ما غاب عن صاحبه ولم يعرف مكانه, أو لم يقدر على الوصول إليه.
وقد روي عن عدد من الصحابة: لا زكاة في مال الضمار, ولا في مؤخر الصداق لأنه لا يمكن للمرأة التصرف فيه, ولا زكاة في الدين على معسر, لكن إذا قبض شيئا من ذلك زكاه عن سنة واحدة فقط ولو أقام غائبا عن صاحبه سنين, أو بقي الصداق في ذمة الزوج أو الدين على المعسر سنين.
النماء حقيقة أو تقديرا
بمعنى أن يكون المال ناميا حقيقة أو تقديرا, ويقصد بالنماء الحقيقي الزيادة بالتوالد والتناسل والتجارة, ويقصد بالتقديري قابلية المال للزيادة, وذلك في الذهب والفضة والعملات, فإنها قابلة للنماء بالمتاجرة بها فتزكى مطلقا, أما عروض القنية فلا تزكى لعدم النماء لا حقيقة ولا تقديرا.
بلوغ النصاب
النصاب مقدار من المال معين شرعا لا تجب الزكاة في أقل منه, وإن من الشروط الواجب توافرها في الأموال الخاضعة للزكاة بلوغ النصاب, وينطبق على النقود والذهب والفضة وعروض التجارة والأنعام, وفي ذلك ورد في الحديث النبوي: (أن الذهب لا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ عشرين دينارا فإذا بلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار, والورِق - أي الفضة - لا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ مائتي درهم فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم).
ونصاب الذهب عشرون مثقالا وتساوي (85) جراما من الذهب الخالص, ونصاب الفضة مائتا درهم وتساوي (595) جراما من الفضة الخالصة, والنصاب في زكاة عروض التجارة هو ما قيمته (85) جراما من الذهب الخالص, وللأموال الزكوية الأخرى أنصبتها, ويخضع للزكاة مقدار النصاب وما زاد عنه, أما ما دون النصاب فليس وعاءً للزكاة وهو معفو عنه, ويكفي أن يكتمل النصاب في طرفي الحول, ولا يضر نقصانه أو انعدامه خلال الحول, ويضم المستفاد من المال خلال الحول إليه عند الحنفية والمالكية وهو أيسر في التطبيق وأبعد عن التعقيد ولقد أخذ به جمهور الفقهاء.
أثر الخلطة في النصاب والقدر الواجب إخراجه
الخلطة هي أن يعامل المال المملوك لاثنين أو أكثر معاملة المال الواحد بسبب الاتحاد في الأوصاف والظروف, كوحدة المرعى والسقي والإيواء في الغنم, ووحدة الأعباء والإجراءات والتصرف في أموال الشركات, وقد ثبت مبدأ الخلطة في زكاة الأنعام, وأخذت به بعض المذاهب في غير الأنعام كالزروع والثمار, والنقود, فينظر حينئذ إلى أموال الشركاء كأنها مال واحد من حيث توافر النصاب وحساب القدر الواجب إخراجه من الزكاة ففي النصاب مثلا: يتحقق النصاب في أغنام مملوكة لثلاثة, لكل منهم 15 شاة, لأن المجموع 45 شاة وهو أكثر من النصاب الذي هو (40) شاة, فيجب إخراج شاة واحدة, ولو نظر إلى مال كل منهم على حدة لما اكتمل النصاب ولما أخذت منهم زكاة.
الزيادة عن الحاجات الأصلية
العروض المقتناة للحاجات الأصلية مثل دور السكنى وأدوات الحرفة وآلات الصناعة ووسائل المواصلات والانتقالات - كالسيارة - وأثاث المنزل, لا زكاة فيها, وكذلك المال المرصد لسداد الدين على تفصيل يأتي في موضعه, فإن المدين محتاج إلى المال الذي في يده ليدفع عن نفسه الحبس والذل, ولذلك فلا زكاة في الأموال المرصدة للحاجات الأصلية.
حولان الحول
هو أن ينقضي على بلوغ المال نصابا اثنا عشر شهرا بحساب الأشهر القمرية, وإذا تعسر مراعاة الحول القمري - بسبب ربط الميزانية بالسنة الشمسية- فإنه يجوز مراعاة السنة الشمسية على أن تزاد النسبة المئوية الواجب إخراجها وهي:2.5% لتصبح 2.577 مراعاة نسبة عدد الأيام التي تزيد بها السنة الشمسية عن السنة القمرية
ولا يشترط الحول في زكاة الزروع والثمار لقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) (الأنعام 141) كما لا يشترط كذلك الحول في زكاة المعادن والركاز باتفاق الفقهاء
منع الثِّنَى في الزكاة
إذا زكى المال ثم تحول إلى صورة أخرى مغايرة له, كالمحصول الزراعي إذا زكى ثم بيع بثمن, أو الماشية التي زكيت ثم بيعت بثمن فالثمن الناشئ من بيع مال يزكى إذا حصل خلال الحول لا يزكى عند حولانه لأن ذلك يؤدي إلى تكرار الزكاة خلال حول واحد للمال نفسه في الواقع وهو منفي بالحديث الشريف (لا ثِنَى في الصدقة) متفق عليه.
الأموال العامة والموقوفة والخيرية
لا تجب الزكاة في المال العام, لأنه مملوك لعامة الناس والأمة ومنهم الفقراء, فلا يختص به مالك معين, ولا جدوى من أخذ الدولة الزكاة من نفسها لتعطي نفسها وكذلك لا تجب الزكاة في المال الموقوف على جهات عامة كالفقراء أو المساجد أو اليتامى وغير ذلك من أبواب الخير والبر العام, وذلك لحين تعين مالك الأموال الموقوفة أي عدم حصر ملكيتها في مالك معين, ولا زكاة أيضًا في أموال الجمعيات والصناديق الخيرية لأنها لجماعة الفقراء, ومصارفها من أصحاب الحاجة, ومالكها ليس محصورًا أو متعينًا.